مجرمو الحافلة.. ضحايا المدينة
بقلم: ياسمين بوطيب *
تقدم المدينة نفسها كمكان لتحرير المرأة من خلال استعارة الحداثة.. إلا أن واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل حافلة بمدينة الدار البيضاء ، يثبت لنا أن هذا الفضاء العام يعد أكثر تقييدا من الصورة التي نتناقلها، كونه فضاء متحيزا جنسيا و لا يتيح المساواة.
لكن ألا يجوز النظر إلى هذه الجريمة باعتبارها جزء من ظاهرة أكثر انتشارا ألا وهي العنف الحضري، الذي سيواجهه شباب هذه المدينة بالاحتجاج يوم الخميس 23 غشت 2017 بساحة ماريشال.
حري بنا اليوم أن نتساءل عن جدوى هذا الاحتجاج، و المعنيين به: نحتج على من؟
على سائق الحافلة الذي يسوق “خرذة” بلا سقف و لا نوافذ و لا أخلاقيات المهنة، هو الذي اعتاد على المشاجرات و الكلام الساقط في الحافلة، بل و يتبادله مع الركاب ؟
أو على الركاب الذين لا يشتكون لا من “السواقة الهمجية”، و لا من الألفاظ النابية و لا من الاكتظاظ، و لا من الوضعية المزرية للحافلة؛
على جودة التعليم ببلادنا، الذي ينتج لنا أجيالا من التلاميذ و الطلاب بدون أفق..!
أم نحتج على غلاء المعيشة الذي جعل الآباء و الأمهات يلهثون وراء لقمة العيش ليل نهار لتوفير حاجيات البيت، على حساب الوقت المخصص لتربية أبنائهم ؟
أو على مثقفينا الذين طلّقوا قضايا المجتمع، ليفسحوا المجال أمام المثقف التبريري عوض المثقف التنويري !
أم نحتج على إعلامنا الذي يصنع نماذج معينة يعتبرها شباب اليوم قدوة لهم، لسرعة وصولها للقمة دون جهد و لا علم و لا شهادات، مع اغفال الترويج لدور العلماء و الأدباء و المثقفين و الفلاسفة و الأطباء و المؤرخين….
أو على مافيات العقار التي تستولي على المساحات الخضراء لكبرايات المدن لتبني “مراكز استهلاك”، و بنايات على شكل أقفاص، بدون فضاءات سوسيوثقافية و لا مساحات الترفيه والمساحات الخضراء..
أو على خبراء “الوصفات الجاهزة” الذين يتهمون دولة الرعاية بكل المصائب الاقتصادية و ينصحون حكوماتنا ب”الادارة العمومية الجديدة” انسجاما مع التوجه النيولابرالي العالمي، حتى أصبحت تفرض نفسها في خطابات رسمية دون دراسة ملائمتها لبيئتنا !
أم نحتج على حكوماتنا التي تخضع لهذا التوجه و تقرر رفع يديها عن الصحة و التعليم، لتفرض تهميشا و تفقيرا أكبر على أبناء الشعب العاجزين على التأقلم داخل نظام دولة الحد الأدنى، حيث لا تعليم جيد لأبنائهم و لا فرص شغل، و لا خدمات صحية ، و لا مراكز عمومية للعلاج النفسي !
أو على المؤسسة السجنية، التي تحولت إلى مراكز لاحتراف الجريمة بكل أنواعها؛
على غياب هيئات لرصد ومراقبة إدارات التدبير المفوض سواء تعلق الأمر بالنقل أو الماء و الكهرباء……
على مناهجنا التعليمية الفقيرة حيث تغيب التربية الجنسية، و التربية على الأخلاق و القيم ، بالإضافة إلى اكتفائنا بالمعلمين و استغنائنا عن المربين و الأخصائيين النفسيين القادرين على شرح تفاصيل فترة المراهقة؛
أو على الناخب الذي لا يتوفر على عشاء ليلته و يصوت على حزب ذو توجه ليبرالي دون وعي بأثر هذا الخيار السياسي على حياته اليومية؛
واقعة الحافلة و غيرها فرصة للاحتجاج على ضياع أجيالنا، و ضياع ذواتنا التي ترضى بهذا الوضع، حتى فهم أبناؤنا أن المراهقة فرصة لارتكاب الحماقات عوض أن تكون فرصة للاستثمار في الطاقات.
* ناشطة مدنية